قصة بيت المقابر (حكاوي جدتي)
بقلم : محمد شعبان
المرة دي بقى جدتي جت عندنا البيت، وطبعاً ما ينفعش تيجي من غير ما اخليها تحكيلي وتحكيلكو حكاية جديدة، وعشان كده أول ما قعدت معاها سألتها ..
- ها يا ست الكل، ما فيش حكاية جديدة ؟!
ردت عليا وقالتلي ..
- طبعاً في .. بيت المقابر .
بقيت لها بتركيز وبعد كدا جيبت الورقة والقلم وقولتلها ..
- احكي يا ست الكل وانا هكتب اللي هتحكيه .
ابتدت جدتي تحكي وتقول :
زمان يا ابني مقابر باب الوزير دي كانت مختلفة عن دلوقتي؛ يعني مثلاً العيلة الغنية أو اللي معاهم فلوس يعني كان بيبنوا المدفن بتاعهم على هيئة بيت بدورين؛ الدور الأول هو الحوش أو المدفن اللي بيندفنوا فيه الأموات وجنبه كده مكان فاضي زي شقة، أما بقى الدور التاني ف ده بيكون عبارة عن شفة كبيرة أو زي ما بنقول كده استراحة عشان العيلة دي لما تحب تزور المقابر ولا حاجة يلاقوا مكان يقعدوا فيه، وكانوا لما بيزوروا المدفن بيقعدوا في الدور التاني وبيجيبوا مقريء يقرأ قرآن، وكمان كانوا بيفرقوا أكل على روح المتوفي، طبعاً يا ابني الكلام بقوله لك ده كان زمان، لكن مع مرور السنين الزمن اتغير، والغني مبقاش غني، وكمان الناس يا ابني بقى عددهم أكبر من الأول والغلابة كتروا، وعشان كده العيلة اللي كانت بتبقى عاملة المدفن بتاعها بنظام دورين كانوا بيضطروا يأجروا المدفن ده لأسرة من الأسر الفقيرة، وأهو منهم ياخدوا بالهم من الدفن وينضفوه، وفي نفس الوقت العيلة اللي كانت غنية دي ومابقتش غنية مع مرور الزمن يعني، يكسبوا فلوس ويدخل لهم كل شهر إبجار من المدفن، ومن عند سكان المدافن بتبدي الحكاية ..
أم سكر؛ ست كانت عايشة هي وجوزها وبنتها سكر في مدفن من المدافن، كانوا عايشين في الدور الأول والدور التاني كان مقفول لأن العيلة اللي أجرت لأم سكر المدفن ده كانوا مأجرين لها الدور الأول بس، وطبعاً لما أم سكر سكنت هي وجوزها وبنتها في المدفن كانوا بينضفوه وعملوا منه بيت ينفع يتعاش فيه، وعلى فكرة يا ابني مش المدفن ده بس اللي كان كدا، ده كمان معظم المدافن اللي من دورين وقتها كانت اتأجرت لناس غلابة مش لاقيين حق إيجار الشقق العادية، المهم يا ابني أبو سكر بعد فترة مات، وماتبقاش غير مراته وبنته سكر.. سطر اللي لما كبرت اتفدم لها عريس، ولأن أهلها ناس غلابة فكان ده من الطبيعي إن عريسها برضه يبقى ابن ناس غلابة، وعريس سكر بقى كان من عيلة من العائلات اللي ساكنين المقابر، ولأنه كان غلبان ومامعهوش فلوس يشتري ف اضطرت أم سكر إنها تقف جنبه وتكلم العيلة اللي هي مأجرة منها المدفن اللي هي عايشة فيه هي وبنتها عشان تأجر منهم الدور التاني، وبالفعل العيلة دي وافقت، وابجار الدور التاني ده كان دور بسيط جداً جداً ويمكن أرخص كمان من إيجار الدور الأول؛ ولو هتسألني ليه إيجاره كان رخيص فهقولك إن ببساطة الدور ده كان مش تمام، يعني بالبلدي كده كان بيحصل فيه حاجات غريبة كل يوم بالليل من بعد ما اتهجر وبقى مقفول لأن ماحدش بقى بيجي يقعد فيه، أم سكر هي وبنتها كانت كل يوم بالليل بتسمع أصوات غريبة جاية منه، ساعات أصوات خبط وتكسير، وساعات أًصوات ناس بتتكلم، وساعات صوت حد بيقرأ قرآن، ياما يا ابني أم سكر وبنتها كانوا بيسمعوا بلاوي لكنهم كانوا بيسكتوا وكانوا بيتعايشوا لأنهم ماكنوش بيتأذوا، المهم بقى إن أم سكر خدت الدور التاني ده ووضبته هي وعريس بنتها عشان سكر تتجوز فيه، وفعلاً جددوه ودهنوا الحيطان وغيروا الأبواب والشبابيك ومسحوا الأرضيات بماية وملح عشان يعني لو في أرواح في المكان ولا حاجة تمشي، وبعد ما عملوا كده قالوا إن الدور ده لما هتسكنه سكر وعريسها مش هيطلع منه أصوات لأنه مش هيبقى مهجور زي ما كان، بس للأسف يا ابني اللي حصل بعد كده كان غير ما ام سكر توقعت؛ ليلة جواز سكر وبعد ما الفرح خلص طلعت هي وجوزها على شقتهم اللي فوق أمها، الساعة كانت واحدة بعد نص الليل، سكان المدافن كلهم صحيوا على صوت سكر وجوزها وهم بيصرخوا، وأم سكر كمان صحيت على صوتهم وهم بيخبطوا على باب شقتها اللي كانت قصاد المدفن على طول .. وأقسملك بالله يا ابني كانوا نازلين بلبس النوم وهم بيتنفضوا بسبب اللي شافوه، العريس كان بيقوا إنه أول ما جه يقرب من عروسته سمع أصوات كفوف ايدين على الحيطان وفجأة الشبابيك والأبواب ابتدت تخبط بقوة، وفي نفس الوقت كمان هو وعروسته (سكر) عيال صغيرة شبه القرود.. مخلوقات صغير كده أجسامهم مليانة شعر كانوا بيتنططوا على الحيطان، طبعاً العرسان أول ما شافوا اللي شافوه ده نزلوا جري من عالسرير، بس المصيبة بقى إنهم لما نزلوا لقوا البلاط بتاع الأرض كله متكسر، وبدأوا يسمعوا أًصوات ناس كتير أوي حواليهم بيقولوا لهم (امشوا .. امشوا .. المكان ده مكاننا)
طبعاً اول ما سمعوا الكلام ده خدوا بعضهم ونزلوا جري على الدور اللي تحت، والأغرب بقى يا ابني من كل اللي حكيتهولك ده، إن ام سكر لما طلعت تبص على الشقة بقت فعلاً الأرضية بتاعة أوضة النوم متكسرة، ليلتها بقى الست خدت البنت وعريسها لحد ما تاني يوم بدأت تشوف لهم مكان تاني في منطفة المدافن برضه، وفعلاً سكر وجوزها أجروا مدفن نقلوا فيه عفشهم وعاشوا فيه، بالنسبة لأم سكر فهي فضلت عايشة في الدور الأرضي للمدفن ده لحد ما ماتت، وعاوزة اقولك انها كانت كل ليلة بتسمع نفس أصوات الخبط والكلام والتكسير من الدور اللي فوق، بس عارف بقى الحاجة اللي ترعب بجد هي ايه.. أم سكر لما طلعت الدور التاني ده في مرة بالنهار عشان تنضفه لقت الأرضية بتاعة أوضة النوم سليمة ومش متكسرة، وطبعاً الكلام ده بعد ما سكر وجوزها عزلوا من المدفن خالص .
لما جدتي قالت كده بصيت لها وأنا مبرق وقولتلها ..
- طب والمدفن ده، حصل له ايه دلوقتي ؟!
ضحكت جدتي وقالتلي ..
- ما خلاص يا ابني، دلوقتي بقت المدافن من دور واحد بس، بعد ما الحكومة هدت الأدوار التانية في معظم المدافن، بس تعرف.. لسه في لحد النهاردة برضه في مدافن بدورين لكنها قليلة جداً جداً، وطبعاً المدافن اللي زي كده دلوقتي مقفولة وماحدش بيدخلها لأن أصحابها بقوا قافلينها ومابيأجروهاش زي زمان .
بعد ما جدتي قالتلي كده رديت عليها وقولتلها ..
- طب ايه، مش هتحكيلي حكاية تانية ؟!
قربت مني وقالتلي ..
روح اكتب للناس حكاية بيت المدافن وبكرة هبقى احكيلك حكاية تانية، وكفاية بقى كده النهاردة لأحسن سكان المدفن يطلعولك بالليل .
ضحكت معاها وبعد ما خلصنا كلام مع بعض قومت وكتبتلكوا الحكاية دي، الحكاية اللي انا كتبتها بنفس التفاصيل الي جدتي حكتهالي بس طبعاً غيرت أسماء أبطالها، بس السؤال في نهاية القصة لحضارتكوا.. ايه تفسيركوا للي سكر وعريسها شافوه ليلة دخلتهم !
تمت
الروابط
آخر قصة : جاثام
صفحة الكاتب : محمد شعبان