قصة مبنى المعاشات
بقلم : خالد فودة
اسمي وجيه، أو عم وجيه زي مالناس بتقولي، شغال في وظيفة ثابتة لكنها متغيرة من مكان لمكان، شغلي عبارة عن حارس لمباني حكومية، قديم في المهنة، محبوب من كل الموظفين في أي مكان بمسك نباطشية فيه من الصغير للكبير، في يوم جالي تليفون من مديري في الشغل بيقولي ان تم افتتاح فرع للمعاشات في قرية "....." قريبة من المنصورة، وطلب مني انتقل هناك حارس، معترضتش وسافرت على طول، كنت بستلم من الساعة 3 بعد العصر لغاية الساعة 7 ونص الصبح، وساعتها الموظفين بيكونوا بدأوا شغلهم، ودي مواعيد الشغل الجديدة عشان الحظر اللي في البلد بسبب الفيرس الجديد اللي بيقولوا عليه، مكنتش بروح في حته لاني كنت في بلد بعيدة فكنت بنام في أوضة الأمن اللي مكونة من سرير صغير وتليفزيون ميختلفش حجمة عن السرير، أول يوم شغل وصلت الصبح الساعة 11، قولت أنام لغاية وقت انصراف الموظفين، وعلى الساعة 3 بالثانية كنت صاحي، قعدت قدام الباب بتاع المبنى وشايف الموظفين ماشيين مروحين بيوتهم لغاية ما اتأكدت ان المبنى مفيهوش حد عشان اقفل الأبواب بتاعته، وعلى الساعة 10 كانت الدنيا بردت قولت أولع شوية نار عشان جسمي نشف من البرد وبالمرة اعملي كوباية شاي، وفعلاً جبت شوية كسر فروع شجر من اللي كانوا واقعين على الأرض حوالين المبنى وولعت النار وعلقت على الشاي وقعدت ادندن لام كلثوم الكوبليه اللي بحبه ليها وهي بتقول "وصفولي الصبر... لاقيته خيال وكلام الحب... يا دوب يا دوب ينقال.... واهرب من قلبي اروح على فين... ليالينا الحلوة في كل مكان.... ماليناها حب احنا الاتنين... وملينا الدنيا أمل.. أمل وحنان"
كنت بغني مع الست وانا مندمج، قطع صوتي وأنا بغني، الراديو وهو بيغروش، مسكته وخبطته خبطتين كدا عشان يشتغل لكنه فصل خالص، حطيته في جنب وأنا متضايق لغاية ما سمعت صوت حد بيتكلم جمب شباك من شبابيك المبنى، قولت بصوت عالي :
- مين هنا ...
محدش رد، اتحركت ناحية المكان اللي جاي الصوت من عنده بس ملقيتش حد، قولت جايز بيتهيألي ولا حاجة، لفيت وشي وجيت اتحرك عشان ارجع مكاني سمعت صوت وشوشة جاي من عند مدخل المبنى؛ كان نفس الصوت اللي سمعته من شوية، جيت اتحرك عشان اشوف ايه اللي بيحصل ومين اللي بيتكلم دا وايه اللي موقفه هنا، لكني سمعت صوت رجلين بتتحرك وجاي من ورايا، مبعتش عارف اعمل ايه، صوت جاي من قدامي عن مدخل المبنى وصوت خطواط جاي من ورايا بيقرب مني بسرعة كبيرة أوي، لدرجة اني حسيت ان الشخص دا هيخبط فيا ويوقعني على الأرض، لفيت جسمي بسرعة عشان اشوف مين اللي بيجري ناحيتي داـ وأنا واخد وضعية واحد هيتخبط ويقع على الأرض حالاً، وفعلاً شوفت واحد جاي ناحيتي بسرعة، ملامحه بشعة، جسمه كله اسود، مكانش فيه هدوم على جسمه خالص، راسه مكانش فيها شعر، تحس ان جسمه كله مشقق زي الأرض الناشفة، كان جاي ناحيتي بسرعة جداً، لاحظت انه بيعرج لكنه لما قرب مني وقبل ما استعد اني هقع خلاص على الأرض، الراجل ولا الشيء دا اختفى تماماً، وقفت بذهول وأنا مش فاهم ايه اللي بيحصل بالظبط، استعذت بالله من الشيطان وروحت قعدت مكاني، كان الميا غلت، ولعت سجارة مع كباية الشاي وحاولت انسى اللي حصل، بس تقريباً مكانش مكتوب ليا الراحة اليوم داـ سمعت نفس صوت الوشوشة دا بس كان جاي المرة دي من جوا المبنى نفسه، ابقى كداب لو محستش ساعتها بالخوف، كنت لازم أدخل اشوف فيه ايه بنفسي، مهو لو حرامي انا هروح في ستين داهية، قربت من الباب، صوت خطوات كتيرة سامعها في كل ركن من أركان المبنى، سميت الله ودخلتـ النور كان مقفول مفيش غير لمبة واحدة منورة وكان في الأوضة اللي بنام فيها، اضائتها كانت باهتة وتخوف، حسيت بحركة حواليا مش عارف مصدرها ايه، أًصوات همهمات بتزيد ومعاها سمعت صوت فرملة لعربية وبعدها سمعت صوت خبطة وبعدها أصوات ناس بتصوت، اتخضيت قولت يمكن حصلت حادثة برا المبنى ولا حاجة، بس اللي خلاني اصرف نظري عن الفكرة دي إن الأصوات كانت جاية من جوا المبنى وبالتحديد أوضتي !!!!
كل دا بيحصل قودامي وأنا واقف متسمر مكاني مش قادر انطق ولا حتى قادر أطلع برا، حاولت كتير اقرأ أي حاجة من القرآن بس كنت بقرأ في سري ومش عارف اقرأ بصوت عالي، كإن فيه حاجة مانعة إن الكلام يخرج، لغاية ما حسيت إن الحاجة اللي منعتني من الكلام دي راحت وقولت :
بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجي_
شوفت اللمبة اللي في الأوضة بتاعتي واللي كان بتنور وتطفي لواحدها... معرفتش اكمل لإني سمعت صوت التليفونات اللي على المكاتب كلها بترن في وقت واحد، اتحركت ناحية مكتب من المكاتبـ معتمد على النور الخافت اللي جاب من الأوضة بتاعتي، دقات قلبي كنت قادر اسمعها برغم الدوشة اللي كانت حوالياـ وصلت قدام المكتب ورفعت سماعة التليفون، أول ما رفعت السماعة كل الدوشة راحت، مفضلش غير صوت دقات قلبي اللي كانت عالية جداً، قربت السماعة من ودني :
- ألو .
لكني مسمعتش أي حاجة، أنا اللي جه في دماغي ساعتها إن المدير بيتصل يتطمن إن فيه حد مسك النباطشية ولا لأ، ودا بيحصل عادي جداً في كل مكان خدمت فيه، بس اللي مكانش طبيعي ان التليفونات كلها ترن في وقت واحد، حاولت أجمد قلبي شوية وحطيت السماعة مكانها وطلعت التليفون من جيبي واتصلت على المدير، رنيت عليه مبيردش، رنيت تاني مبيردش برضواـ في تالت رنة رد عليا وقالي :
- ايه يا وجيه خي ...
قطعت كلامه وأنا بتكلم بسرعة وبقول :
- انت رنيت على المعاشات الجديدة اللي ف "...." ؟
رد وقال :
- لأ مرنتش وبعدين أنا عارف انك موجود وعارف انك بتشوف شغلك، خير في حاجة ؟
رديت وقولتله وجسمي بيترعش من اللي بيحصل ومن البرد كمان وقولت ل.. لل... لأ مفيش حاجة يا أستاذ محمد، أنا بس مصدع شوية واتهيألي إن التليفون رن فقولت اتطمن بس .
رد وقالي :
- لو مصدع يا وجيه فيه صيدلية قدام المبنى .
رديت وقولتله :
- تشكر يا أستاذ محمد، ومعلشي لو كنت ازعجتك .
قفلت معاه وأنا بفكر في اللي بيحصل داـ قرتت إني هكمل الليلة برا المباني، دخلت أوضتي بسرعة وجيبت جاكيت وطلعت بار وقفلت البوابة بتاعة المبنى كويس، بصيت حوالين المكان لغاية ما لمحت صيدلية فعلاً، روحت الصيدلية وقولت للدكتور عايز حباية صداع وطلبت منه كوباية ميا عشان أخد الحباية، شكرته ومشيت، لاحظت انه بيبص ليا بنظرات غريبة وبيتعامل معايا بحظر، مشغلتش دماغي ومشيت، وقبل ما اقرب من المبنى سمعت ورايا بيقول :
- انت لسه مشوفتش حاجة، كل اللي شوفته دا لعب عيال جمد قلبك عشان لسه التقيل جاي .
استغربت وبصيت ورايا، لاقيت راجل كبير في السن، طويل وضهره مايل ناحية الأرض، كان بيبص ليا وبيبتسم، رجعت أبص حواليا وبعدين بصيتله وقولتله :
- انت بتكلمني انا يا حاج ؟
رد وقال :
- هو فيه حد واقف هنا غيري انا وانت يا وجيه !
رديت بسرعة وقولتله :
- اا .... اااا.. انت عرفت اسمي ازاي ؟؟؟؟
رد وقال وهو بيحرك رقبته براحة وبيبص حواليه :
- خمنت، أصلا الجسم اللي أنا شايفه قدامي دلوقتي ميدلش على إن صاحبه اسمه تامر يعني !
رديت وقولت بعصبية :
- والنبي يا حاج مش ناقصة قلبة دماغ على المسا أنا فيا اللي مكفيني .
رد وقال :
- أنا هسيبك متقلقش، بس عايزك انت كمان تسيبنا، وابقى اسأل على المكان قبل ما تدخله يبني .
مفهمتش حاجة منه، قولت أكيد راجل كبير وخرف، كملت مشي وروحت قعدت مكاني برا المبنى، ولعت نار عشان الجو كان برد جدا، حاولت اشغل الراديو يسليني شوية، لاقيت ام كلثوم شغالة، حاولت اندمج معاها شوية، بصيت على ساعتي كانت واحدة بليل .
- الدنيا برد أوي النهاردة يا وجيه .
الصوت دا كنت سامعة من جنبي، بصيت بخوف لاقيته الراجل الكبير اللي شوفته من شوية، واقف بيبص قدامه ومش بيبصلي، جيت اتكلم بس لاقيته بيقول :
- برضوا ممشتش ؟
رديت وقولتله :
- مم .... ممم.... متقول انت مين يعم وانت ازاي جيت هنا وعايزني امش من هنا ليه ؟
رد وقال :
- انا مين وجيت هنا ازاي؟ فهتعرف بكرا .
بعدها همش بصوت واطي وقالي :
- أصل الناس بتقول ان اللهم احفظنا فيه عفاريت هناـ وانا خايف عليك يا وجيه .
رديت وقولت وأنا مش عارف جبت الشجاعة دي منين :
- ما عفريت لا بني آدم وانا مش ماشي من هنا، انت اللي هتمشي ... أنا مش راضي أمد ايدي على راجل قد ابويا ...
ضحك ضحكة كبيرة ولاقيته بيقول من غير ما يبصلي :
- يا من تسكنون هنا في كل بقعة وبداخل كل ركن، يا من اتخذتم مقابركم بيوتاً، عليكم بمن اقتحم خلوتكم وقطع ثباتكم ووطأت قدمه منازلكم، فجلس معكم دون اذنكم ومانع راحتكم، أشهد انكم أنذرتم وأمهلتم، آمركم فلا يرى للراحة طعماً، ولا تدخل الطمأنينة له قلباً ما زال بينناـ حذرنا وأنذرنا وعليكم الطاعة .
بدأ يبصلي بنظرات بشعة، شكله اتغير لشكل الراجل اللي كان بيجري ناحيتي وهيخبطني، الجسم المشقق زي الأرض البور، لاقيته جاي ناحيتي بحركة بطيئة، مكانش لواحده اللي شوفته جاي من ناحيتي، كان فيه ناس كتير واقفين قدام المبنى وبيبصولي بنفس النظرة البشعة، ملامحهم كانت نفس ملامح الراجل الغريب بس باختلاف الدم اللي كان على وشهم، كانو جايبني ناحيتي هما كمان، سامع الكلام اللي قاله الراجل العجوز بيتردد في وداني، الرعب كان تفاهه بالنسبة للي حسيت بيه، ملقيتش قدامي غير اني ادخل جوا المبنى عشان افلت منهم، جريت ناحية الباب، طلعت المفاتيح بسرعة جيت أفتح الباب مش عايز يفتح، بصيت ورايا لاقيتهم بيقربوا مني، حاولت افتح الباب تاني بس الحمد لله المرة دي فتح، دخلت جوا بسرعة وقفلت الباب بالمفتاح، كنت قاكر اني كدا استخبيت منهم، لكني سمعت صوت جاي من جوا المبنى نفسه، شوفت واحد طالع من الأوضة اللي بنام فيها، شكله ميتخيرش عنهم في الشقوق ولا الدم اللي كان مغرق جسمه، بس ملامحه مش غريبة عليا، كان ... كان الأستاذ محمد !!! بعدها قرب مني وقال :
- مسمعتش كلام الحاج مسعد ليه يا وجيه، انت السبب في اللي وصلتني ليه داـ انت لو فلت منهم مش هتفلت مني .
سمعت صوتهم برا وهما بيخبطوا على الباب اللي انا قافله، ومن جوا الأستاذ محمد جاي بشكله البشع، أنا مستني الموت واذا مكانش منهم هيكون على ايده، لكني سمعت صوت تليفوني بيرن، طلعته بسرعة من جيبي عشان اللاقي اللي بيرن هو أستاذ محمد !!!!!!!
بصيت للشخص اللي شبهه وكان واقف قدامي من شوية ملقتهوش، فتحت عليه وكأنه هو اللي هينجدني، قولتله :
- ألو .... ألو يا أستاذ محمد الحقني أنا محبو ....
- ايه يا وجيه .... قافل الباب ومش راضي تدخل الموظفين ليه ... هنا واقفين بقالهم نص ساعة وبيخبطوا على الباب، انت ايه اللي جرالك ....
اييييه !!!! موظفين مين اللي واقفين برا ؟!!! لاحظت ان كل حاجة اختفت والشمس كانت طالعة، فتحت الباب بسرعة عشان اللاقي الموظفين كانوا واقفين على الباب وبيخبطوا فعلاً !!! يعني كان بيتهيألي !!! لاقيت استاذ سيد اللي شغال هنا بيقولي :
ايه يا راجل يا طيب اللي حصلك ؟ انت كنت واقف على الباب برا واول ما شوفتنا اتخضيت وجريت على الباب وفتحته وقفلت على نفسك جوا، دا احنا بقالنا نص ساعة بنخبط عليك، لغاية ما الأستاذ سامح الله يبارك له رن على المدير وهو رن عليك .
مبقتش مصدق الكلام اللي بسمعه دا، من غير أي نقاش خدت هدومي ومشيت، نده عليا واحد، لما بصيت ورايا كان الدكتور اللي كان في الصيدلية امبارح، بيقولي :
انت ايه اللي جابك هنا ؟ ليه مسألتش على المكان دا قبل ما تيجي، المكان دا كان تبع المرور، وكانوا بيحطوا فيه عربيات اللي بتعمل حوادث لفترة طويلة، لغاية مبقينا بنسمع أصوات فرمله لعربية، وبعدها خبطة جامدة، وساعتها كل أهل المنطقة لما سمعوا الصوت دا راحوا عند مصدر الصوت جري، وكنت أنا واحد منهم، كنا بنحسبها حادثة يا حاج، بس مش بنلاقي حاجة في الآخر، وبعد شكاوي كتير من أهل المنطقة جابوا تصريح وخلوها مبنى للمعاشات .
قولتله وأنا مش مالك اعصابي :
- طط ... ططط. طب مين عم مسعد دا !
رد وقال :
أهو عم مسعد دا حكايته حكاية، طلع كل أهل المنطقة تقريباً، بيقولوا جاله تليفون ان ابنه مات وموجود في المشرحة بتاعة المستشفى وطلبوا منه يروح يشوفها، طار على عربيته وجرا راح بيها المشرحة ، مكانش قادر يتحرك من الصدمة، أصل ابنه دا كان الوحيد وكان جاي بعد شوقة زي ما بيقولوا، جه ياخده مكانش فيه عربيات نقل موتى فاضية كلهم مشغولين، أصر ياخد ابنه وهو مروح في عربيته ويدفنه بمعرفته، وفعلاً ركبة العربية بالعافية عشان جسمه كان خَشب خلاص، ومشي بالعربية، بس اللي حصل انه طلع عليه ناس حرامية ولأنه كان خايف على ابنه خوف مرضي بعد ما مات، انحرف بالعربية بس اللي حصل ان العربية انقلبت اكتر من مرة والنار مسكت فيه واتفحمت، وفيه ناس بتقول ان الحرامية دول ثبتوه وسرقوا اللي معاه وقتلوه، وعشان يخلوا جريمتهم ولعوا في العربية، مش عارفين ايه الصح بس الأكيد ان العربية دي جابوها للأرض اللي اتبنى عليها مبنى المعاشات .
قولتله باستغراب :
- طب الناس اللي جوا دول مش خايفين من اللي بيحصل وليه مش بيشوفوا حاجة غريبة ؟
رد وقال :
- مش عارف بس كل اللي اعرفه ان الاصوات الغريبة اللي كنا بنسمعها كانت بتبقى بليل .
سبته ومشيت بعد ما سمعت الكلام دا وانا مقرر اني عمري ما هرجع المكان دا تاني حتى ولو فيها موتي، حاجة جوايا قالتلي بص بصه أخيرة على المبنى، بصيت لاقيت شاب صغير واقف وجنبه عم مسعد بيبصلي وبيبتسم ...
تمت
الروابط
آخر قصة : شبح ابوتريكة
صفحة الكاتب : خالد فودة