قصة القاتل الخفي
بقلم عمرو نجيب
صحيت أنا ومراتي بليل على صوت ضرب نار جاي من حته قريبة قمنا مفزوعين، وكان أول حاجة فكرنا فيها هي اوضة ابننا، طلعنا نجري عليها زي المجانين ...
ولما وصلنا وفتحنا الباب، لقيناه صاحي وقاعد على السرير خايف ....
مامته جرت عليه اخدته في حضنها، وأنا خرجت فتحت الشباك اشوف في ايه... لكن وأنا ماشي في الصالة سمعت صوت حاجة بتترزع، الصوت أقرب لصوت باب اترزع جامد لدرجة ان صوت الإزاز اللي فيه كان شبه اتكسر ...
الصوت كان جاي من برا الشقة، طلعت أجري بسرعة، وقفت ورا الباب وبصيت من العين السحرية ...
شوفت واحد لابس اسود بالكامل، ومغطي وشه بحاجة فمش ظاهر من ملامحه أي شيء... لمحت في ايده مُسدس ...
ساب باب سامح جاري مفتوح، وطلع يجري تحته... استنيت ثواني وفتحت الباب ...
"أغلب سُكان العمارة بدأوا يفتحوا أبواب شٌققهم ويتسألوا في ايه ؟"
دخلت الشقة اللي بابها مفتوح، النور كان مطفيـ لكن أبواب الأوض كلها مفتوحة ...
دخلت أول أوضة قابلتها في وشي، وهناك شوفته مرمي على الأرض، في وسط دايرة كبيرة من الدم الحديث اللي نازل من دماغه.... (سامح) كان مقتول قودامي ..!!
خرجت من الشقة، صرخت في اللي واقفين ان في حد قتل سامح، وكان لسه طالع بيجري دلوقتي من الشقة ...
كل الناس اللي كانت واقفة كانوا بيجروا معايا، نزلنا من العمارة لاقينا في حوالي عشر أشخاص بيقولوا ان اللي قتله ركب عربية حمرا ودخل من شارع (...) .
اللي قال اتصلوا بالشرطة، واللي ركب عربية وطلع يجري ورا القاتل، وأنا كنت من ضمن الناس اللي راحوا يدوروا عليه ....
الشوارع كانت فاضية تماماً بحُكم الليل، ودا أكيد سهِلّ عليه الهروب، لكننا أصرِّينا اننا ندور ...
الشباب اللي واقفين جنب الأكشاك اللي في الشوارع كانوا عمالين يبصوا على كَم العربيات اللي بتجري بذهول ...
وملامحهم احتلها القلق لما سألناهم عن عربية لونها أحمر كانت بتجري من هناـ اللي راكبها قتل واحد وهرب ...
كانت اجابتهم متلخبطة، لكنها على الأقل صحيحة، لاننا فعلاً لقينا عربية القاتل، كانت واقفة على جنب الطريق ونورها شغال ....
نزلنا من العربية، صرخت فيهم :
- حاسبوا، دا معاه مًسدس .
بدأنا نمشي ناحية العربية بحذر، وكنا شايفين راسه وهو باص لتحت وقاعد في مكانه مبيتحركش ...
بدأنا نهدده :
- مفيش داعي لأي حركة غبية، البوليس جاي دلوقتي .
لكنه مكانش بيرُد ...
اتفقت مع واحد من اللي معايا اننا هندخل عليه مرة واحدة واللي يحصل يحصل ...
وقد كان... احنا الاتنين طلعنا نجري عليه، واحد مسك ايده، والتاني فتح الباب وسحبه برا العربية ...
وهنا اكتشفنا حاجة حقيقي مٌرعبة ...!
كان في مكان طلقة في نُص دماغه بالظبط ..!!!
واجتمعنا جنب الجُثة وبدأ الظابط يسألنا عن تفاصيل الحادث؛ فقلناله كل اللي نعرفهـ من أول ما سمعت صوت الطلقة بتاعته في بيتي، لحد ما جرينا وراه بالعربيات ولقيناه ميت ....
فقالنا :
- احنا هنعرضه على الطِّب الشرعي وهو هيقوللنا الطلقة دي جاتله منين .
تاني يوم تما استدعاء كل سُكان العمارة للتحقيق معاهم، فضلت قاعد برا لحد ما أغلب اللي معايا خلّصوا، ولما جه الدور عليا، الظابط سألني :
- تعرف أستاذ سامع بقالك قد ايه ؟
قلت له :
= أكتر من سبع سنين سعاتك .
- يعني كنت بتشوفه كل يوم وليك كلام معاه ؟
= وأكتر ...
- ازاي ؟ -
= هقولك، انا حضرتك فاتح مطعم اسمه (....) ممكن حضرتك تكون سمعت عنه... المهم سامح جه في مرة وقالي انه عايز يشاركني، لكني رفضت بحجة ان الشراكة .... ااااا..... زي ما حضرتك فاهم، بتبقى وجع دماغ ومشاكل كتير ملهاش أول من آخر، المهم بعد حوالي سنة تفاجأت انه جاي يبعتلي دعوة لحضور حفل افتتاح المطعم بتاعه وعازم كل سُكان العُمارة وأنا ومراتي وابني من ضمنهم؛ فرُحناله وشوفنا المكان، كان لطيف وأسعارة كانت رمزية جداً، على الرغم انه كان منزلنا الأكل مجاناً، لكني حبيت أبص على المنيو؛ والمفُاجأة الأكبر ان المطعم بتاعه دا يعتبر قريب مني الا حدِ ما، وعشان كدا كنت بشوفه كل يوم والتاني .
لاقيت الظابط ضيَّق عينيه وقالي :
- هما المطعمين بيعملوا نفس نوع الأكل ؟
= مظبوط، لكن سامح عنده كام صنف زيادة .
هز راسه بالإيجاب :
- هممممم ...
- قرَّب من الترابيزا وحَط ايده عليه وهي متشبكة، وقال على كدا مطعمه اشتغل كويس ولا ايه ؟
رفعت كتفي علامة عدم المُبالاة وقلت :
= مش عارف، أكيد مش هروح اسأله، وبعدين حضرتك دا دخله ايه بالقضية ؟
رد ببرود :
- زيادة معلومات .
ورجع بضهره لورا وهو بيقول :
- شكراً ليك يا أستاذ باهِر، تقدر تروَّح .
عدي تلت أيام، كل اللي في العمارة كانوا مرعوبين، منهم اللي قرر يسافر يغير جَو، ومنهم اللي فكَّر انه يسيب الشقة ويأجَّر في مكان تاني ....
وبصراحة عندهم حَق، دلوقتي في قتيل في بيتهم، ومش بعيد يظهر شبحه ويطاردهم .
سامح كان أعزب، مُستقل بحياته بعد ما ساب أمه واعتمد على نفسه، ودا اللي خلّى أغلب اللي يجي العزا بتاعه هما العُمال بتوعه وأمه بس، وبعض من الجيران في العمارة ...
العزا كان صامت الا من صوت الشيخ (محمود الشحات) في المسجِّل، امه كان باين عليها الحزن البالغ، كنت حاسس ان قلبها مفطور عليه.... مسكينه، ابنها الوحيد ...
لكن السؤال الأكبر هو " مين الشخص اللي قتل سامح، وقتله ليه، ومين اللي قتل الشخص دا بعدها وهو راكب العربية" ؟
اسئلة كتير ملهاش اجابات، وكل واحد هنا بيدور حواليه دايرة الشَّك، حتى أنا ! ....
أغلب اللي قاعدين أنا عارفهم، وكنت فاكر لهم بعض المواقف مع سامح ...
مثلاً سراج، دا كان اتخانق معاه في مرة عشان بَص على مراته وهي نازلة بلبس قصير، ونشأ بينهم عداوة كبيرة، لكني متابعتش أحداثها أو وصلت لإيه ...
وغَنيم، كانوا شدوا مع بعض في يوم بسبب الموسيقى اللي بيشغلها سامح بليل فبل مينام وبتبقى عالمة ازعاج كبير ...
ويُسري، دي كانت مُشكلته مع سامح ان الأخير مبيرميش عليه سلام، وشكله كان بيتلككله عشان يتخانق معاه.... والباقيين كان مُجرَّد مُشادات سلمية أو اختلاف الآراء .
خرجت برا أشرب سيجارة، كان بعض العُمال بتوعه واقفين برا يتكلموا مع بعض... وقفت على مقربة منهم وولَعت سيجارتي ووقفت أنفخ دُخانها في الهوا بشرود ...
مش معقول غَنيم هيقتله على مشوية مزيكا أو يكون يُسري اتجنن وهو اللي قتله لمُجرَّد انه عايز يفرط سيطرته عليه - سامح .
ممكن بنسبة كبيرة يكون سِراج، احنا كشرقيين بنبقى غيورين قوي على شرفنا، مش بنحب حد يبص على حريمنا مهما كان قصده ، ف ....
انتبهت لما طرأت الفكرة في دماغي "فعلا,ممكن يكون سراج... أصل الهدوء اللي هو فيه ده، وانه آخر واحد خرج من شقته، وكان بيتحرك بعدم شغف, كل ده بيخليه هو المُشبته الأول..
فُقت من تفكيري علي صوت العُمال بتوع مطعمه وهما بيهمسوا مع بعض وبيضحكوا ضحكات مكتومة .
بعد حوالي ساعة ونص كان العزاء انتهي وكل العُمال رجعوا بيتوهم، وأم احنا سُكان العمارة واقفين نتكلم مع سامح قفلت الشقة ومشيت، وفضلنا بعض علي اللي حصل واللي عنده رأي يقوله..
بدأ يُسري الكلام : مش عارف الظابط النهارده كان عمال يسألني في التحقيقات بطريقه شَك واضحة ليه !عمال يقول لي في اي عدواة كانت بينك وبين سامح.., طب معاملتك معاه كانت عاملة ازاي، طب... وطب... مش فاهم ايه الطريقة دي .
- أضاف سِراج: اتكلم معايا بنفس الطريقة وقال لي ان غُنيم حكي له اني كنت متخانق معاه عشان كان بيبُص علي جماعتي وهما ماشيين. حسيت من كلامه معايا انه بيتهمني بطريقة غير مُباشرة، بس مستنين أقول
- قلت لهم: اااه.. اتاريه بيسألني أخبار المطعم بتاعي ايه ، وياتري سامح مطعمه بيبيع كويس ولا ظروفه ايه.
- فقال سِراج: بيتهمنا واحنا عايشين جنبه بقالنا سنين!.. هه، عجيبة . مش بعيد يكون اللي قتله ده هو هو اللي كان بينه وبين سامح عداوة، متنسوش ان سامح كان عايش لوحده, ومكنش متجوز، وكان أغلب الوقت صامِت .
- قلت لهم: الطب الشرعي هو اللي هيبين لنا كل حاجة، نتيجته هتثبت حاجات كتير.
أومأوا براسهم كلهم . بعدها وقفنا نتكلم في عدة مواضيع؛ وبعد أقل من ساعة دخلنا شُققنا .
وفي اليوم التالي ....
كنا متجمعين في القسم عشان نشوف ايه المُستجدات اللي حصلت, ونتيجة الطب الشرعي..
وكانت النتيجة ان القاتل مات منُتحر، وده بسبب الحروق الواضحة حوالين مكان الطلقة اللي بتدُل ان الطلقة اتضربت من مكان قريب جدا، وعلي كلامنا ان القاتل كان راكب عربية لوحده وبيجري بسرعة، فمُستحيل حد يكون قتله من المسافة دي.
يعني كدة دايرة القتل بقت أوسع، اللي ارتكب الجريمة قتل نفسه عشان سبب غير معروف، ولو هنقول مثلا انه اتقتل عشان محدش يكشف الشخص اللي بعته، ده لو كان حد بعته فعلاً.
ودخلنا كلنا مكتب الظابط للمرة التانية عشان نمضي علي أقوالنا، او للتصحيح نأكِد عليها ونخلي طرفنا من القضية عشان لو حصل جديد.
مضوا كلهم، ولما جه الدور عليا، الظابط قال لي :
- دقيقة يا أستاذ طاهر، محتاج اتكلم معاك شوية .
استغربت , وقعدت قدامه علي المكتب لحد ما الكل مشي . بادر هو في الكلام وبابتسامة ودودة :
- عديت علي المطعم بتاعك لقيته قافل ، في حاجة ولا ايه ؟
رديت بشيء من الوقار:
- بنعمل شوية تعديلات بسيطة في الديكور.
هز رأسه :
-همممم.. بقاله كتير ؟
- اقصد يعني قافل المطعم بقالك كتير ؟
بصيت بعيد لثواني : حوالي شهرين .
- ياااه، شهرين بحالهم بتعمل تعديل في الديكور .. هو المهندس بطيء قوي كدة للدرجة دي؟
بدأت اتعصب، فقلت له بضيق: هو حضرتك عايز توصل لايه بالظبط؟
ابستم بثقة، ومَد ايده في الدرج قدامه وخَّرج منه تليفون، وشغَّله وهو بيقول:
- اسمع كدة..
وبدأ صوت واحد يتكلم من التليفون، كان واضح انه صوت متسجل :
"حبيت تكون آخر عملية هعملها تبقي ذِكري حلوة في حياتي، نُقطة بيضا في بحر الذنوب الاسود اللي مغرق كل عيشتي . اولاً انا مش هعرفكم بنفسي لانكم أكيد هتعرفوا أصلي وفصلي من تحقيقاتكم، لكن اللي حابب أقوله هو سبب تسجيلي للريكورد ده، وهو الشخص اللي تعرفت عليه في ليلة سودا زي ليالي حياتي، وقال لي انه عايز يخلص من شخص مُعين بيضايقه وبينافسه في البيع، وبسببه المكان بتاعه قفل حوالي شهرين بفعل الخُسارة الفادحة اللي وصل لها . وكان الاتفاق اني هقتل الشخص اللي بينافسه ،وفي المُقابل هختفي خالص من الصورة , وهو هحياول يلزق التُهمة في حد، بحُكم ان الشخص اللي عايز يقتله ساكن معاه في الُعمارة والقتيل له أعداء كتير وسهل يلزق التهمة في اي حد . فأنا حبيت يكون اختفائي ده نهائي مالوش رجعة .. بعد ما هخلص العملية هقتل نفسي، وهسيب التليفون ده في مكان متداري تحت هدومي .. وأظن ان الشرطة اللي هتعرف تجيب قراري بمنتهي السهولة بعد موتي، هتعرف تجيب اللي بعتني عشان أقتل الضحية من التفاصيل اللي قُلتها ."
الرسالة خلصت، ولقيت الظابط بيبص لي بابتسامة ثقة :
- تجديد ديكور ها ؟